أسباب الفقر :
رأينا أنّ للفقر أسبابا متعددة، أهمها الكوارث وضعف التعليم وطبيعة العراقة الحضارية والتكاثر السكاني الواسع والسريع مع تطور أنظمة الصحة والحياة، والفقر مرتبط بقلة العمل والنشاط والفعالية الحضارية والقدرة على التنمية والتطوير. وتوجد أكبر نسبةالفقر في البلدان الابوية المعتمدة على الدولة كمجتمع وصائي، وتقل هذه النسبة في المجتمعات المتعلمة والمتنافسة والمنظمة للجهد البشري. ويبقى تحديد معنى الفقر نسبيا حسب الشعوب، إذ أن ظاهرة تنتشر في جميع المجتمعات بدرجات متفاوتة، إلا أن الفرق يبقى في درجة الفقر ونوعيته وشدته ونسبة الفقراء في المجتمع.
ويمكن من هذه الزاوية أن نتبيّن أسباباً داخلية وأخرى خارجية
*الأسباب الداخلية
من أهم الأسباب الداخلية طبيعة المجتمع ونشاطه وتطوره الحضاري والبشري، وعراقته في تنظيم اعماله ونشاطه واستفادته من ثرواته وتنميتها تنمية مستدامة، وثانياً النظام السياسي والاقتصادي السائد في بلد ما. فالنّظام الجائر لا يشعر فيه المواطن بالأمن والاطمئنان إلى عدالة تحميهِ من الظلم والعسف. ويستفحل الأمر إذا تضاعف العامل السياسي بعامل اقتصادي يتمثل في انفراد الحكم وأذياله بالثروة بالطرق غير المشروعة نتيجة استشراء الفساد والمحسوبية، فيتعاضد الاستبداد السياسي بالاستبداد الاقتصادي والاجتماعي، وهي من الحالات التي تتسبب في اتساع رقعة الفقر حتى عندما يكون البلد زاخرا بالثروات الطبيعية كما حدث ويحدث في عدة بلدان إفريقية أو في دول أمريكا اللاتينية، هذا فضلا عن الحروب الأهلية والاضطرابات وانعدام الأمن.
*الأسباب الخارجية
الأسباب الخارجية متعددة، وهي أعقدُ وأخفى أحيانا. ومن أهمها الحروب والنزاعات والصراعات الدولية التي تحرم البلدان فرصة التنمية والتطوير، كما من أسبابها السيطرة والاستعمار والتدخل بشؤون الدول الفقيرة استغلالا ونهبا لثرواتها. أخيراً وبعد حصار دام أكثر من عقد من الزمن تسبب في تفقير شعب بأكملهِ رغم ثرواته النفطية. ويتعقد الأمر كثيراً إذا كان الاحتلال استيطانياً كما في فلسطين حيث تتدهور حالة الشعب الفلسطيني يوماً بعد يوم وتتسع فيه رقعة الفقر نتيجة إرهاب الدولة الصهيونية وتدميرها المتواصل للبنية التحتية وهدم المنازل وتجريف الأراضي الفلاحية فتتحول مئات العائلات بين يوم وليلة من حد الكفاف إلى حالة الفقر المدقع.
ومن الأسباب غير الظاهرة للعيان نقص المساعدات الدولية أو سوء توزيعها في البلدان التي يسود فيها الفساد في الحكم.
استراتيجية الحد من الفقر في المدى القصير :
تعتبر استراتيجية مكافحة الفقر في المدى القصير معتمدة على المساعدات والدعم واساليب التنمية للمشاريع الصغيرة من خلال عمل جمعيات مدنية تنموية تعمل على التدريب وتنمية الخبرات المهنية وتعبئة المجتمع لمبادرات تنشيط للعمل والمشروعات الصغيرة وبث روح المنافسة والاننتاجية والمسؤولية لدى الفئات الفقيرة.كما يعتبر استمرار الدعم للطبقات الفقيرة ضرورة في الحاضر والمستقبل القريب، إذ يؤدى إلغاؤه إلى أعباء اقتصادية واجتماعية فادحة، ولكن يجب تطوير آليات الدعم بدعم مبادرات المشروعات الصغيرة والاعتماد على الذات حتى لا يكون الفقر مواكب لقلة النشاط والتواكل، والتكاثر غير النوعي والحضاري للبشر، لا يجب حالياً استبدال دعم الأسعار ببديل نقدي لأن الفئة الوحيدة المتاح معرفة دخلها بدرجة معقولة من الدقة هي فئة المشتغلين بالحكومة، أما الفئات الأخرى التي تشمل العاطلين والعاملين في القطاع الخاص والعمالة غير المنظمة يصعب تقدير دخلهم أو وصول الدعم النقدي لهم لغياب منظومة المعلومات المناسبة، ويفضل ان يكون الدعم عينياً وفنياوتدريبياً من خلال الجمعيات والمؤسسات التنموية التي تعمل على تحليل ظاهرة الفقر ومعالجة أسبابها بالإضافة لعامل تحسين آليات توزيع الثروة العامة في المجتمعات.
استراتيجية الحد من الفقر في المدى الطويل :
إعادة صياغة السياسات العامة للدولة في عدة محاور رئيسية:
القناعة والالتزام السياسي والحكومي بأن التنمية البشرية هي وحدها القادرة علي أن تحدث النمو الاقتصادي تترجم في صورة إعادة توزيع الاستثمارات لتحقيق التنمية البشرية.
تطبيق اللامركزية الكامل في السلطة واتخاذ القرار وإعطاء الدور الرئيسي للمشاركة في تحديد أهمية المشروعات لأفراد كل مجتمع محلي من خلال مؤسسات مجتمعية تتمتع بالحرية الديموقراطية.
قصر دور المفكرين والمتخصصين في التنمية في عرض مسارات التنمية والمساهمة في دقه التشخيص لأنواع وأبعاد وحجم المشكلات.
لا تتحقق التنمية "المتواصلة" القادرة علي البقاء المرتكزة علي التنمية البشرية إلا ببناء تكنولوجيات محلية تتسم بأنها كثيفة العمل، كفء في استخدام الطاقة، منخفضة التكاليف غير ملوثة للبيئة وتؤدى لرفع إنتاجية عناصر الإنتاج المحدودة وتحافظ علي الموارد الطبيعية.
تعديل أساليب إدارة الميزانيات الحكومية والإنفاق العام، مع إعادة جدولة الإنفاق العام لإحداث توازن بين المناطق الفقيرة (وأغلبها ريفية) والمناطق المرتفعة الدخل (أغلبها المدن الكبرى والعواصم). فقد بينت الدراسات أن المدن الرئيسية في الدول الفقيرة يخصص لها 80% من إنفاق الخدمات علي الصحة والتعليم ومياه الشرب النقية، وقدر نصيب الفرد في المدن من الإنفاق العام حوالي 550 دولار مقابل 10 دولارات فقط للفرد في الريف.
تكافل الدول العربية في وضع نظام إقليمي للمعلومات يهدف لإجراء بحوث ميزانية الأسرة كل خمس سنوات في كل الدول العربية، وإتباع منظومة معلومات الرقم القومي الدال علي الفئة الاقتصادية الديموجرافية للسكان لتحديد الفئات المستهدفة بالدعم باعتباره المحك لنجاح أي سياسة تهدف للحد من الفقر
ما هي أسباب هذا الفقر في دول العالم الإسلامي؟!.
يمكننا أن نوجز أهم أسباب الفقر في دول العالم الإسلامي، فيما يلي:
1- البعد عن أدب الإسلام في حفظ النعمة، والاعتدال في الإنفاق من غير إفراط ولا تفريط.
2- انخفاض مستوى التعليم وقلة الخبرات الفنية في كثير من الأقطار مع قلة السعي للتنمية وتحسين الإنتاج.
3- التشرد الذي يعانيه كثير من المسلمين الذين تركوا أوطانهم لاضطراب الأوضاع ولفقدان الأمن فيها، فهنالك ملايين من المسلمين يعيشون لاجئين في بلاد مجاورة، نزحوا من تشاد وأوغنده والصومال وارتيرية والحبشة ومن فلسطين وأفغانستان والفلبين.
4- الأوضاع السياسية غير المستقرة في بعض الأقطار مما يضيع كثيراً من الطاقات والثروات في الإصلاح والبناء.
5- فقدان التعاون الاقتصادي فيما بين الأقطار الإسلامية، إذ أن كل قطر لا يستطيع وحده أن يوفر الإمكانات اللازمة للتنمية، من أراض ومواد أولية وأيدٍ عاملة وخبرات فنية وسوق محلية واسعة، لابد من التكافل والتكامل بين هذه الأقطار .
6- محاولة بعض الأقطار الإسلامية إصلاح أوضاعها المضطربة بتطبيق النظم الاقتصادية الاشتراكية أو الرأسمالية وأساليب التنمية فيها.
7- التبعية الاقتصادية للدول الصناعية الكبرى التي تستغل ثروات العالم الإسلامي
مكافحة الفقر:
في إطار مكافحة الفقر ظهرت في الميدان نماذج وتجارب مختلفة في العالم، والواقع أن التسليم بحتمية نجاح هذه الجهود هو ضرب من ضروب الخيال ، ومثال على ذلك فشل برامج التسوية التي يضعها صندوق النقد الدولي ، "فالعلاج المقترح من طرف الصندوق يخرب الاقتصاد ، يخلع المجتمع المدني للدول المدانة ويسير بالعالم في اتجاه الهلاك، فهذه البرامج هي مطبقة في أكثر من 100بلد من العالم الثالث، وأوربا الشرقية، ويذكر أنه لا يمكننا ذكر أي حالة للنجاح البارز ، حيث تشير إحدى الدراسات الحديثة التي قام بها الصندوق بهدف تعديل التوجهات التنظيمية إلى "أنه لا يمكننا القول بصفة مؤكدة إن كانت هذه البرامج ذات فعالية أو لا ...فعلى قاعدة الدراسات المتوفرة ، لا يمكننا القول بصفة مؤكدة ما إذا كانت البرامج المطبقة قد وصلت إلى تحسين النتائج في صور تضخم أو نمو اقتصادي." وأمام هذا الفشل الفاضح ، فإن صندوق النقد الدولي يحاول أن يؤكد مع ذلك أن التسوية قد نجحت في إقصاء اللاتوازنات الماكرواقتصادية الكبيرة ، فعلى لسان مديرها العام السيد : "ميشال كامديسي"، فإن برامج التسوية مازالت هي وسيلة تحسين العيش"26
و الواقع أن كثير من النتائج الاجتماعية التي تبرز في الواقع كانت نتيجة لمثل هذه البرامج ، نذكر منها:
- تراجع المدارس العمومية ، حيث تسير كثير من وزارات التربية في اتجاه التخلي عن مسؤولية مراقبة نوعية التعليم، مما شجع بالمقابل انتشار المدارس الخاصة.
- إعادة هيكلة قطاع الصحة ظن ففي إطار تفعيل برامجه ، يطرح البنك فكرة المصاريف الخاصة بالعلاجات الأولية، والنتيجة أن بعض مراكز الصحة في البلدان الإفريقية أصبحت مصدرا للأمراض المعدية، حيث تظهر بالموازاة مع ذلك سوء تسيير المراكز الطبية نتيجة النقص الفادح في اقتناء الحاجات الأساسية.
- عودة ظهور الأمراض المعدية ،و يرجع ذلك إلى أن نشاطات الرقابة والحماية قد قلت بشكل كارثي مما أدى إلى عودة ظهور كثير من الأمراض المعديية كالكوليرا والحمى الصفراء.
ومن النماذج البارزة أيضا في مجال مكافحة الفقر ، نجد التجربة التي طورتها مجموعة "جرامين" تحت إشراف البروفيسور "محمد يونس"، والذي يقول" بأن أول ولادة لبنك :جرامين" كانت بتاريخ سبتمبر 1983يوم توقيع اارئيس على الإعلان المتعلق بولادة بنك"جرامين"... وهو بنكمكرس لتقديم قروض بالغة الصغر لأفقر الناس ، ليس لمجرد مساعدتهم على العيش، ولكن لإشعال شرارة الابداع والمبادرة الشخصية لديهم بما يخرجهم من دائرة الفقر...حتى بلغ ما قدمه البنك للفقراء أكثر من 2.5مليار دولار من القروض البالغة الصغر لأكثر من مليوني أسرة في ريف بنغلاداش، بنسبة سداد تبلغ100في المائة. مما دفع إلى إنشاء مؤسسة مماثلة لها في الولايات المتحدة وتدرس بلدان أخرى كثيرة الأخذ بهذه التجربة كخطوة للوصول إلى عالم بلا فقر."27 ومع ذلك فإن نظرة نقدية في الممارسات العملية لتطبيقات هذه التجربة تثير جدل حقيقي وعويص يتعلق هذه المرة بإشكالية التعامل مع حجم وثقل الفوائد الربوية التي تغرق كاهل الفقير ، وتفتح له مجالات أخرى لحياة الضغط والقلق ولكن في شكل وطرح ونمط جديد.
تعليقات
إرسال تعليق