الفقر
تعتبر
ظاهرة الفقر واحدة من أهم وأقدم المعضلات التي شهدتها المجتمعات وقرأتها النظريات
الاقتصادية والاجتماعية، ويرتبط التراث التاريخي لهذه الظاهرة بالفوارق الكبيرة في
الثروة وبوجود أفراد أثرياء أو أمم غنية تجد من مصلحتها إبقاء الأمم الأخرى في
حالة فقر مستمر.
و
الحقيقة أن الفقر هو من أخطر القضايا وأكثرها تعقيدا وقياسا وقراءة ، فهو ينطق عن
مفارقة واقعية تجمع ما بين السبب والنتيجة، ، فالعديد من الثورات الاجتماعية
والسياسية الكبرى في التاريخ الإنساني كان الفقر أحد
أسبابها
الرئيسية، وتحضرنا هنا مقولة أرسطو" الفقر هو مولد الثورات والجريمة"،
كما أن تراثنا الإسلامي هو حافل بالطروحات والتصورات حول هذه الظاهرة وما تخلفه من
تبعيات، حيث نجد المقولة الشهيرة لعلي بن أبي طالب، كرم الله وجهه: "لو كان
الفقر رجلا لقتلته"
و
تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن الأدبيات الاقتصادية المتعلقة بالتنمية قد ركزت
في مراحلها الأولى على محاولة إيجاد تفسيرات لظاهرة التخلف، والبحث عن سبل التخلص
منها ، من خلال الاتجاه إلى التصنيع وإعادة الهيكلة، وأغفلت بالمقابل ظاهرة الفقر
وتوزيع الدخل على وجه التحديد. وهذا ما يعزى إليه إخفاق كثير من هذه الدول في
القضاء على ظاهرة الفقر من مدخل النمو الاقتصادي.مما يتطلب إعادة توجيه الجهود إلى
معالجة الفقر من خلال قراءة خصوصياته وفهم ميكانيزماته وفق المرجعية الاجتماعية
والثقافية والاقتصادية التي يعيش فيها الفقراء .
مَفْهُومُ الفَقْرِ لُغَةً :
الفَقْرُ لُغَةً:
يدور
مفهوم الفقر في اللُّغة حول الحاجة، والعوز، فالفقير هو المحتاج.
وهو
ضدَّ الغِنَى، والفقير: مكسور فقار الظَّهر، وهو مشتقٌّ من انفقار الظَّهر، أي
انكسار فقاره، فكأنَّ الفقير مكسور الظَّهر من شدَّة حاجته، والفقير الَّذي له ما
يأكل، والمسكين مَنْ لَا شيء له
مفهوم
الفقر اصطلاحا :
إن أول الأمور التي تعترضنا عند الحديث عن
الأدبيات المتعلقة بالفقر هو غياب تعريف محدد ودقيق لمفهوم الفقر ، فإلقاء نظرة
على الأدبيات الواسعة التي نشرت أو تنشر حول هذه الظاهرة الاجتماعية الاقتصادية
يفيد أن لا علماء الاجتماع ولا الاقتصاديون أنجزوا تعريف محدد ودقيق لهذه الظاهرة،
وقد يرجع ذلك إلى أن الفقر هو مفهوم نسبي يشتق هذه الصفة من اختلاف وتباين الأطر
الاجتماعية والزمنية ، وأدوات القياس والخلفية السياسية لهذه الظاهرة .
وقد
حاول البنك الدولي وضع تعريف شامل لهذه الظاهرة مفاده أن
"الفقر
هو عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة"إلا أنه ، أي هذا
التعريف يعتمد بدرجة كبيرة على مفهوم الحد الأدنى ومفهوم مستوى المعيشة ، كما
يعتمد بدرجة كبيرة على المجتمع الذي تتم فيه حالة التوصيف."
فالفقر
الذي يؤدي إلى الموت يختلف بطبيعة الحال عن الفقر الذي يشير ويعبر فقط عن تباين في
توزيع الدخل أكثر مما يشير عن الحرمان المطلق. وهنا تتضح مرة أخرى نسبية هذا
المفهوم وشدة تشابكه.
الفقر
: هو الدّاء القديم الحديث والمستمر، هو المهدر الأوّل للكرامة الإنسانية، وهو
الذي ضيع الدول ودمر الحضارات، هو العدو الاول للأخلاق والمتناسب عكسيّاً معه، هو
المحفّز الأول للجرائم بشتى أنواعها، هو مانع النهضة، هو من حذر ويحذر وسيحذر منه
كل من أعطي جزءاً من عقل. إنّه الفقر الداء الذي لم يصنع له دواء.
و
يعرف الدكتور "عبد الرزاق الفارس" الفقر قائلا:"هناك مكونان مهمان
لابد من أن يبرزا في أي تعريف لمفهوم الفقر، وهذان المكونان هما مستوى المعيشة ،
والحق في الحصول على حد أدنى من الموارد. ومستوى المعيشة يمكن التعبير عنه
بالاستهلاك لسلع محددة ، مثل الغذاء والملابس أو السكن، التي تمثل الحاجات
الأساسية للإنسان التي تسمح بتصنيف أي فرد لا يحققها ضمن دائرة الفقر. أما الحق في
الحصول على الحد الأدنى من الموارد ، فهو لا يركز على الاستهلاك بقدر تركيزه على
الدخل، أي الحق في الحصول على هذه الحاجات
أو القدرة على الحصول عليها"
"كما
يقترح المجلس الأوروبي أحد التعريفات التي تري أن الفقر يخص " الأشخاص الذين
تكون مصادرهم المادية، الثقافية أو الاجتماعية ضيفة إلى حد الإقصاء من أنماط
الحياة المقبولة في الدولة الواحدة التي يعيشون فيها."
و
يعلق "دانيال فارجي" عن هذا بقوله أنه على الرغم من هذا الاجتهاد ،فإن
هذا التعريف يبقى عملي خاصة عندما يتلق الأمر بالتعارض مع تطبيقات الإحصائيين
الأوربيين"
و
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من هذا التباين الواضح في إيجاد تعريف واحد لمفهوم
الفقر ، فإن معظم التعاريف تجمع – على الأقل- على مفهوم " الحرمان
النسبي" لفئة معينة من فئات المجتمع.فالفقير إلى الشيء لا يكون فقيرا إليه
إلا إذا كان في حاجة إليه ، وهنا تظهر أهمية البعد المادي في تحقيق الحاجات من
مأكل وملبس ومسكن ...الخ.
جاء
في تقرير التنمية في العالم 1990م: "يعرّف التقرير الفقر بأنه عدم القدرة على
تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة"
كما
يُعرف الفقر الآن بأنه "عدم القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية"
وكما
أن للفقر مفهوماً نسبياً، فإن له مفهوماً مطلقاً، ولكل مفهوم معنى مستقل. إذ الفقر
المطلق هو "حالة من الحياة محددة بالجهل وسوء التغذية والمرض وارتفاع مستوى
وفيات الأطفال وانخفاض فترة الحياة إلى حد أقل من أي تعريف رشيد لحد الكفاف"،
فسوء التغذية يسحب طاقاتهم ويهاجم أجسامهم ويقصر من حياتهم، والجهل يغلق عقولهم
ويقفل مستقبلهم، والأمراض تهاجم أطفالهم، والقذارة والتلوث تحيط بيئتهم، فكل مباهج
الحياة المتاحة تصبح مستحيلة بالنسبة لهم، إذ ليس في مقدورهم سوى مجرد مجهودات
للبقاء على قيد الحياة..
ولأن
مفهوم الفقر المطلق ثابت، فإن تعريف حد الفقر يتم من خلال تحديد أقل كميات
للاستهلاك الفردي الذي يشبع الحاجات الإنسانية الضرورية، مثل كمية السعرات
الحرارية وكمية المواد الغذائية التي يجب أن يحصل عليها الفرد
أما
الفقر النسبي "فهو تمكن الفرد من إشباع حاجاته أي تحقيق حد الكفاية، ولكن
الشيء الأقل يعد فقيراً بالنسبة للأكثر، وهذا يعكس التفاوت في الدخول"[5]..
ولأن مفهوم الفقر النسبي حركي، فإن حد الفقر قد يكون مثلاً 40% من مجموع السكان
والحاصلين على أقل الدخول، وترجع أهمية مفهوم الفقر النسبي إلى طبيعته الحركية،
ففي اقتصاد متطور لابد وأن يتغير فيه حد الفقر مع تغير الزمن.
.
الفَقْرُ فِي اصْطِلَاحِ الاقْتِصَادِيِّينَ:
هناك
عدَّة معان للفقر منها :
•
الفقر يعني العجز عن إشباع الحاجات الأساسيَّة أو الضَّروريَّة.
•
الفقير هو مَنْ لا يمتلك شيئًا، والشُّعوب الفقيرة هي الشُّعوب الَّتي يكون أغلب
مواطنيها من المعدومين.
•
انخفاض الدَّخل عن مستوى معيَّن في السَّنة.
•
إحساس الفرد، أو الشَّعب بأنَّه يعيش عند مستوى يقلُّ عمَّا يعيش عنده أفراد، أو
شعوب أخرى، ويعني ذلك أنَّ الفقر مسالة نسبيَّة.
•
الفقر بمعنى انعدام الرَّفاهية، أو انخفاض مستوى المعيشة.
•
الفقر بمعنى انعدام الحيلة، وانعدام القدرة على التَّعبير، ممَّا يحدِّد من قدرة
الفقير على الاختيار، والاستفادة من الفرص.
أو
هو عجز موارد الفرد المالية عن الوفاء بحاجته الاقتصاديَّة .
•
وخلاصة القول: فإنَّ الفقر يدور مفهومه حول "الحرمان النِّسبيِّ" لفئة
معيَّنة من فئات المجتمع، فالفقير إلى الشَّيء لا يكون فقيرًا إليه إلَّا إذا كان
في حاجة إليه، وهنا تظهر أهمِّيَّة البعد المادِّيِّ في تحقيق الحاجات من مأكل،
وملبس، ومسكن
آثــــــــــار
الفقـــــــــر
إن
للفقر آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة على البلدان، حيث أنه عامل سلبي يؤدي إلى
تفاقم الوضع وتدهوره أكثر، فإذا كانت هناك أسباب معينة أدت إلى ظهوره، فإنه يؤدي
إلى تعقيد هذه الأسباب، وبالتالي ارتفاع تكلفة الحد منه أو القضاء عليه .
فمن
الجانب الاجتماعي يمكن ملاحظة مايلي:
ظهور
انحرافات كبيرة على مستوى سلوك الأفراد وأخلاقهم، ففي الأثر كاد الفقر أن يكون
كفرا، وبالتالي تظهر سلوكيات جديدة تخالف العادات والتقاليد، والدين، حيث أن
الفقير غير المتعفف، يجيز لنفسه كل الأمور التي تمكنه من الحصول على لقمة العيش.
عدم
تمكين الأطفال من التمدرس، أو التمدرس الجيد، فارتفاع عبء الإعالة الذي هو من
أسباب الفقر يؤدي بالآباء إلى التخلي عن مسؤولياتهم في تعليم أطفالهم، وتوفير
الظروف الملائمة لذلك، مما يؤدي إلى انتشار الأمية بين الأطفال .
بروز
ظاهرة عمالة الأطفال، وآثارها السلبية على المجتمع والاقتصاد.
تدهور
الوضع الصحي، خاصة بالنسبة للأطفال ( ارتفاع الوفيات )، وقلة العناية بهم، وتنطبق
كذلك على الكبار، وبالتالي التعرض بدرجة عالية للأمراض، وللعدوى المزمنة.
أما
الجانب الإقتصادى :
ظهور
الفساد وانتشاره بشكل يؤدي إلى تعطيل المصالح الاقتصادية للبلد، فرغم أن الفساد في
تسيير الشؤون الاقتصادية يمكن اعتباره من مسببات الفقر ، إلا أن وجود هذه الظاهرة
تؤدي إلى تنميته وظهوره للعيان بشكل ملفت للانتباه، حيث أن مع الفقر تزول كل
المحضورات، فالموظف الذي لا تمكنه وظيفته من تلبية حاجياته وحاجيات أسرته يصبح موظفا
فاسدا .
تدهور
معيشة الأفراد.
ظهور
الآثار الاجتماعية، يؤدي إلى قلة مرد ودية الأفراد، وضعف مستوى نشاطهم الاقتصادي،
الشيء الذي يؤدي إلى انخفاض دخل الدول.
أنــــــــواع
الفـــــــــــقر
1)
الفقر النقدى : ويشير إلى ما إذا كانت الأفراد أو الأسر المعيشية لديهم الموارد
الكافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية .
2)
الفقر غير النقدى : ويشير إلى مدى الحرمان من الحصول على الاحتياجات الأساسية من
السلع والخدمات مثل الغذاء الكافى , أو المسكن , أو الصرف الصحى , أو الرعاية
الصحية , أو التعليم .
3)
فقر الحاجات الإنسانية : ويشير إلى الحرمان من إشباع الحاجات الإنسانية . وقد تم
تحديد مجموعة من الفئات الأساسية للاحتياجات الإنسانية التى من المفترض أن يتم
تقييم فقر الأفراد أو الأسر على أساسها , من أهمها : التغذية الكافية , المأوى
اللائق , الكساء , العمل , الحماية والأمان , المعرفة , التمتع بالحرية والمشاركة
, الصحة .
4)
فقر القدرات : ويشير إلى افتقار الأفراد للقدرات الأساسية , ومن أمثلة هذه القدرات
أن يكون فى مقدرة الإنسان أن يعيش الإنسان حياة صحية مديدة , وأن يتمتع بمستوى كاف
من الغذاء والكساء , والقدرة على القراءة والكتابة والمشاركة فى الحياة الاجتماعية
والسياسية .
قـــــياس
الفقــــر
ولقد
اعتمد في قياسه على أساليب متعددة, يمكن توضيحها على النحو التالي:
أولاً:
مؤشرات قياس مستوى المعيشة : والتي يمكن قياسها من خلال :
1 -
دخل الأسرة
يعبر
ها المؤشر عن قدرة الاسرة على الحصول على السلع والخدمات الاستهلاكية التي تعد
المحور الأساسي لمستوى المعيشة. ومن الصعوبات التي تعترض هذا المؤشر تحديد الدخل
الذي يمثل الحد الفاصل بين الأسر الفقيرة والأسر غير الفقيرة, وتباين الأسر من حيث
حجمها وتركيبتها وفقا للعمر والجنس, وتغير مستوى معيشة الأسرة التي قد لا يتطابق
مع تغير مستوى دخلها, وصعوبة الحصول على بيانات دقيقة عن الدخل لعوامل اقتصادية
واجتماعية.
2 -
الإنفاق الاستهلاكي الإجمالي للأسرة
استحدث
هذا المؤشر لتلافي المشاكل الناجمة عن مؤشر دخل الأسرة ولكونه أكثر ارتباطا بمستوى
معيشة الأسرة وامكانية تقدير الانفاق على نحو أدق من مسوحات الأسرة التي تجمع فيها
بيانات الانفاق والاستهلاك الفعلي لعينات الأسر.
3 -
متوسط إنفاق الوحدة الاستهلاكية
يعتبر
هذا المؤشر استكمالا لمؤشر الانفاق الاستهلاكي الاجمالي للأسرة. وقد استحدث
لمعالجة مشكلة تباين الأسر في أحجامها وتركيبتها. ويتم احتسابه من خلال قسمة
الإنفاق الاستهلاكي الإجمالي للأسرة على ما يقابل حجمها من الوحدات الاستهلاكية،
ويؤخذ على هذا المؤشر تفاوت انفاق الوحدة الاستهلاكية من أسرة لأخرى تبعا للموقع
وما يتطلبه من زيادة أو خفض في انفاق الوحدة، واختلاف الكيفية التي يتم حساب عدد
الوحدات الاستهلاكية.
4 -
نسبة الإنفاق على المواد الغذائية
يستخدم
هذا المؤشر وفقا لوجهة النظر التي ترى, أنه كلما ارتفعت نسبة الانفاق على المواد
الغذائية انخفضت النسبة التي توجهها الأسرة من انفاقها على السلع غير الضرورية.
وبالتالي, فانه مؤشر أو دلالة على انخفاض مستوى المعيشة للأسرة. يمتاز هذا المؤشر
بأنه يتيح المقارنة بين مختلف الأسر حتى وان تباينت أحجامها أو وحدات العملة التي
تتعامل معها.
5 -
حصة الفرد من السعرات أو البروتين
يعتبر
هذا المؤشر من المؤشرات التغذوية, الذي يمكن استخدامه للتمييز بين الفقراء وغير
الفقراء وفقا لحاجة الفرد من السعرات الحرارية أو حاجته للبروتين, وباعتبار ان نقص
التغذية هو أحد الأوجه الأساسية لمعاناة الفقراء.
تعليقات
إرسال تعليق